-->

الخليفة السفاح : قصة الثورة بقلم أحمد صبري

الخليفة السفاح : قصة الثورة بقلم أحمد صبري

الخليفة السفاح : قصة الثورة بقلم أحمد صبري

قُبض على الإمام إبراهيم!، اعتقله مروان بن محمد بعدما أوقع بالرسول.

ما العمل؟ لا جلوس في الحميمة بعد اليوم وإلا قبض الأمويون علينا جميعاً. لا لن يحدث هذا أبداً.. ليس في هذه اللحظة عندما انحدرت جيوش دعوتنا حاملة راياتنا السوداء لتنهي حكم بني أمية وإلى الأبد.
الحرب بين هاشم وعبد شمس لن تنتهي هكذا بهذه البساطة، الفرار من الأردن والشام كله إلى العراق الآن هو المنقذ من ضياع كل شيء.
- خرجت تلك الأسرة الصغيرة على عجل فراراً من جنود بني أمية تجاه الكوفة، فلا أمان إلا أن يصل إمامها الجديد أبو العباس "عبد الله بن محمد" إلى حيث استقرت جيوش دعوته والويل كل الويل عندئذ لبني أمية وخليفتهم مروان فقد آن وقت الحساب.
- إن الأحداث كلها لتتراءى في ذهن أبي العباس في طريق الهروب الطويل إلى الكوفة.
قد أوصى أخوه الإمام إبراهيم له بالإمامة على الدعوة من بعده لما أحس باقتراب الأمويين منه، ولكن تلك الوصية لم تخرج عن بيته فلم يعلم بها كبير الدعاة أبو سلمة الخلال ولا علم بها كنز دعوتهم في بلاد العجم أبو مسلم الخراساني.
أتراهم يسلمون بالطاعة بهذه البساطة؟ أم يضيع كل شيء من بني العباس بعدما دبروا كل تلك السنين؟ 
- لا لن يسمح أبو العباس لهم، ستقوم دولة الهاشميين أخيراً وسينتقم من بني أمية على كل ما اقترفوه، من ينسى حروب صفين ومقتل علي بن أبي طالب ومصرع الحسين وقطع رأس زيد بن علي وصلبه وقتل ولده يحيى من بعده.. من يعوضهم عن سنين الخوف والخنوع.. لا يعوضهم إلا حقهم المسلوب في الخلافة.. لن يُعوضوا إلا على أنهار من دم أمية، ولكن الآن يجب الوصول إلى الكوفة وبأي ثمن. 
اقرا أيضاً : أسوأ الأمهات على الإطلاق

وهناك في حران جلس مروان بن محمد. إنه الآن الخليفة ومصير ملك أمية كله بين يديه.

صحيح أنه ليس من ولد عبد الملك ولكنه من ولد مروان بن الحكم.. وإن قال أحدهم أنه وصل للعرش بالدم والسيف فقد صدق ولكن ما كان أمامه غير ذلك وهو يرى بني عبد الملك يتصارعون على السلطان ويقتلون بعضهم على عرش لم يستقر يوماً منذ وفاة هشام.
لقد أخطأ حين زاد من قسمة القبائل بين مضرية ويمنية، وأخطأ حين لم يستمع لنداءات واليه نصر بن سيار بخطر الدعوة العباسية وزادت أخطاؤه بخروجه من دمشق إلى حران ولكنه سيستدرك على ما فات وهو الآن بالقبض على إمام العباسيين إبراهيم وقتله قد أضعف شوكة دعوته، وسيخرج إلى هؤلاء الشراذم من الأعاجم بجموع لم يروا لها مثيلاً من قبل.. سيخرج بكل جموع العرب فيبقى سلطانهم وسلطان أمية خالداً أبد الدهر.
نعم لن تهز تلك الزوابع من ملكه شيئاً.
اقرا أيضاً : الحب الحر بقلم محمد غنيم

أخيراً هي الكوفة، لكن ما بال أبي سلمة يحجزنا عن دخولها؟ يقول ما استتب الأمر لدعوتنا فيها.. هل هذا حقاً أم أن الشك يراوده؟ 

هل رجع إلى ميله القديم في أبناء عمومتنا من بني علي بن أبي طالب؟؟
قد جعلنا الدعوة لإمام من آل محمد دون تسميته، فهل ينقلب أمرنا لغيرنا بعدما بلغنا الغاية؟؟
الصبر يا أبا العباس فإن أمرنا الآن بيديه ولكن غدا لكل حدث حديث.
_________

أما أبو سلمة فكادت الشكوك تقتله، أخذ يتساءل:

أنا كبير دعاته وصاحب دولته والقائم على أمر جيوشه بل إني وزير آل محمد وما انقطعت الرسائل أبداً بيني وبينه لماذا لم يخبرني بعهده لأبي العباس؟ ومن أبو العباس هذا ليأتي فيتسلم ما ضاعت فيه السنون وقطعت فيه الأيدي والأرجل دون عمل منه ولا تدبير. 
ألم يقل بنو العباس أنهم أخذوا وصية الدعوة من محمد بن علي بن أبي طالب، إذن نعيدها لأصحابها من جديد ولأرسلن إلى آل علي في المدينة: جعفر الصادق فإن أبى فهي لعبد الله بن الحسن وإن لم يكن فلعمر الأشرف بن على زين العابدين.
ولنر الآن هل يترك بني علي الأمر للعباسيين أم لا؟ نعم هذا الآن هو الرأي. 

وبعد أربعين يوماً كان مسجد الكوفة يعج بالجموع من كل مكان.

تباً لهذه الحمى ألم تجد وقتاً آخر كي تصيبه به؟ لكن لا يهم فها هو الوقت الذي انتظره طويلاً، الآن تتراقص أمامه دماء هاشم كلها وليقيمن ملك بني العباس على السيف والدم.
- ساد الصمت وسط الجموع وتعلقت أعينهم بالشاب الذي ارتدى السواد معتلياً المنبر وقد وقف أسفل منه عمه داود بن علي، واشرأبت الأعناق لتسمع ما يقوله الإمام.. لا بل هو أمــيـر الـمـؤمـنـيـن فاليوم ما عاد لبني أمية دولة.
- " الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه دينا، وكرمه وشرفه وعظمه، واختاره لنا، وأيده بنا، وجعلنا أهله وكهفه والقوام به والذابين عنه والناصرين له، وألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها، خصنا برحم رسول الله ﷺ وقرابته، ووضعنا بالإسلام وأهله في الموضع الرفيع..، وزعمت السبابية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم" 
اقرا أيضاً : عن الشيخ محمد البشير الابراهيمي
إنها الحمى تعصف به ويكاد يسقط من الإعياء، ليس هذا وقتها أبداً، لكنه سيتماسك: 
" أيها الناس! بنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، ونصرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم، وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً، ورفع بنا الخسيسة، وأتم النقيصة وجمع الفرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دنياهم، وإخوانا على سرر متقابلين في أخراهم" 
- بدأ الناس بالتساؤل، ماله يترنح هكذا ويتصبب منه العرق؟ يجب أن ينتهي من الكلام بسرعة ولكن بقيت الأخيرة، لابد من أن يعلموا أنه لا رحمة مع من خالفنا، لابد من التكشير عن الأنياب وإظهار بأس الدولة، لا مكان لأمية بعد اليوم ولأقتلنهم قتل سفاح لا يرعى فيهم حرمة ولا رحماً. 
" يا أهل الكوفة! أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المنيح" 
__________
أسقط في يد مروان بن محمد... خليفتان في وقت واحد!، كيف وقد مات إمامهم في السجن ومن هذا السفاح الذي تمت بيعته؟، تالله لإن لم يتدارك الأمر لتكونن مهلكة حكم العرب والقاضية على ملك أمية.
إنه الآن في عند الزاب في العراق وسيقاتل هؤلاء المسودة الذين أعلنوا العصيان، ألم يتعظوا مما حدث لبني عمومتهم بني علي، ولكنه سيحسم موطن الداء هذه المرة ويقتلع جذورهم إلى الأبد. 

منذ ما يزيد عن القرن ولد لعبد مناف بن قصي ولدان هما: هاشم وعبد شمس ولما وُجد أنهما متصلان فصلوا ما بينهما بالسيف وسال خيط الدم، فيبدو أن القدر منذ ذلك الحين قد قال كلمته. 

- وعند الزاب اجتمعت الجيوش، مروان على رأس جيش أمية وراياته البيضاء، وعبد الله بن علي عم السفاح على جيش العباسيين وراياته السوداء، ولا مفر من حسم الصراع واليوم تتجسد كل الثارات القديمة:
هاشم وأمية 
علي ومعاوية
السفاح ومروان 
العرب والموالي
فهناك في شمال العراق وقف القدر ليسطر صفحته. 
- لكن ما بال تلك القبائل من العرب تحجم عن القتال؟
لماذا الجبن والتراجع؟
هل علموا خليفتهم خواراً؟ وما وصف مروان بن محمد بالجبن قط؟ كيف وقد قاتل الروم حتى ذاقوا من بأسه ما ذاقوا؟ 
وكيف يحجمون وهم جاوزا المائة والعشرين من الألوف، وعدوهم لا يجاوز العشرين ألفاً فقط!، كيف؟ هل يكفي الحقد في قلوب العباسيين؟ نعم يكفي إذا فرقت الأطماع القبائل فما عاد لهم عصبة يتجمعون إليها.

- ويل للعرب إذن لما انكشفت سوءتهم، والهلاك لأمية لما شغلهم صراع الملك عن الملك نفسه.
لابد من الفرار ليس من المعركة فحسب بل من الشام كلها لعله يجمع جيوشاً في مصر يمكن أن يعوض بها تلك الهزيمة.
- هل تترك الشام لمصيرها وتفر يا أمير المؤمنين؟؟ لكن لو بقي له ملك لقاتل عنه والهروب صوب مصر الآن هو المهم بعيداً عن أيدي المسودة، ونادت الأصوات: تراجعوا .. الفرار .. الفرار 

وفي مصر تردد في ذهنه كل ما حدث ولعن اليوم الذي جعل نهاية أمية على يديه، جاءته الأخبار باجتياح الشام ونهب قصورها وقتل كل أموي فيها، عرف ما أصاب مقابر أجداده ونبش قبورهم، قد فتحوا قبور معاوية ويزيد وعبد الملك أما جثة هشام فضربت وصلبت على رؤوس الأشهاد... أي هوان صارت أمية له بعد الهزيمة.

ولكنه وإن كان هارباً الآن فقد أخذ معه برد النبي والقضيب.. لن يستولي بني العباس على أمانات الخليفة أبداً حتى لو ضاعت إلى الأبد. 
ولكنها الأماني كما السراب تكون فإلى مصر هرب وفي مصر كانت نهاية مروان بعد أن ظفر به بنو العباس وقطعوا رأسه. فاليوم تم لبني العباس انتقامهم على بحر الدم الذي زحف من الشرق إلى الغرب ودماء بني أمية المسفوكة في كل ركن وبلد وردد خليفتهم أبو العباس في الأنبار من أرض العراق أبيات الشاعر: 
أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس 
طلبوا وتر هاشم فشفوها بعد ميل من الزمان وياس 
لا تقيلن عبد شمس عثارا واقطعن كل رقلة وغراس 
أنزلوها بحيث أنزلها الله بدار الهوان والإتعاس 
واذكروا مصرع الحسين وزيدا قتيلاً بجانب المهراس 
والقتيل الذي بحران أضحى ثاويا بين غربة وتناس.
- جرى بحر الدم إذن، وانهارت دولة وقامت أخرى فهل كانت تلك النهاية حقاً؟ 

المصادر:


  • 1- البداية والنهاية لابن كثير
  • 2- تاريخ الأمم والملوك - الطبري
  • 3- سير أعلام النبلاء - الحافظ الذهبي
  • 4- محاضرات في تاريخ الدولة العباسية - محمد بك الخضري
  • 5- الكامل في التاريخ - ابن الأثير


لزيارة صفحة كاتب المقال علي فيس بوك أضغط هنا

جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق